وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقالوا: يا رسول الله أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال: إنما هو الشرك ؛ ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
وإبراهيم الخليل -إمام الحنفاء المخلصين- حيث بعث -وقد طبق الأرض دين المشركين- قال الله -تعالى-: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .
فبين أن عهده بالإمامة لا يتناول الظالم، ولم يأمر الله -سبحانه- أن يكون الظالم إماما، وأعظم الظلم الشرك.
الظلم -كما هو معلوم- ثلاثة أنواع:
النوع الأول -وهو أعظمها- : الشرك بالله -عز وجل-، وهذا هو الظلم الأكبر، وهذا الذي من لقي الله به ؛ فإنه مخلد في النار، ليس له نصيب في الرحمة، قال الله -تعالى-: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
فسمي ظلما ؛ لأن المشرك وضع العبادة في غير موضعها ؛ لأن الظلم معناه: هو وضع الشيء في غير موضعه، والمشرك وضع العبادة في غير موضعها.
صرف حق الله -محض حق الله الذي لا يستحقه غيره- إلى مخلوق ناقص ضعيف ؛ فعبد غير الله، ودعا غير الله، وذبح لغير الله، صرف العبادة -التي لا يستحقها إلا الله صرفها لغير الله ؛ هذا أعظم الظلم.
ثم الظلم الثاني: ظلم العباد بعضهم مع بعض، يعتدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم، هذه مبنية على المشاحة، المشاحة: لا بد من أداء المظالم إلى أهلها، فإن لم يؤدها في الدنيا ؛ أديت في الآخرة من حسناته.
وهو المفلس كما في الحديث: أتدرون من المفلس ؟ قالوا: يا رسول الله ، المفلس فينا: من لا درهم له، ولا متاع ؛ قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وأعمال كالجبال، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا وأخذ مال هذا ؛ فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ؛ أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار .
والنوع الثالث -من أنواع الظلم-: ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله، فيما يتعلق بحقوق الله التي لم تصل إلى حد الشرك، وليست من حقوق العباد، كأن يقصر في بعض الواجبات، أو يفعل بعض المحرمات التي لا تتعلق بحقوق الآخرين، نعم.